الأربعاء, 2024-05-01, 6:29 AM

المطاردة
أرسله شيخ المدينة لتسليم ثمن حمولة السفينة (لوسي) ه
من اللبان والأسماك المجففة إلى بعض تجار قرية (حاسك) ه
كان في ريعان شبابه, يتسم بالقوة البدنية , وبالجرأة وبسرعة البديهة
أمتطى ظهر ناقته (العضوض) بعد إنبلاج شعاع الفجر بقليل
مشى الهوينى, فلا سبب يدعوه للعجلة
مع موعد صلاة الظهر كان قد وصل إلى منطقة (عينه)ه
فأناخ ناقته وسقاها ثم شد الرحال وواصل السير بعد أدأ الصلاة
وصل (حاسك)  بعد أربعة أيام
قضى أيام الضيافة الثلاثة عند شيخ القرية
الذي زوده بكل ما يحتاج إليه في رحلة العودة
مر خلال عودته من الطريق الساحلي بعدة أحياء ومساكن للرعاة والصيادين
في (حدبين) قضى بعض الوقت عند أحد معارفه
ثم واصل رحلة العودة و لأنه يعرف الدرب جيدا
لم يكن يبالى أيرحل ليلا أم نهارا
كانت الشمس تميل إلى المغيب عندما أناخ ناقته في قرية (فوشي) ه
أراد أن يواصل رحلة العودة لكن جماعة من أهل القرية
أقسموا عليه أن يمضي ليلته تلك عندهم
أو على الأقل يتناول معهم طعام العشاء ثم ينصرف
فأختار هذه
فلما أراد الإنصراف أوصوه بتجنب المرور ببعض الأماكن والطرقات
واصل مسيره حتى وصل إلى واحة تدعى (مرير) ه
بها عين ماء وبعض الشجيرات والأعشاب
لا يسكنها أحد من الناس ولكنها مرعى جيدا للإبل
فعزم على المبيت في هذا المكان على أن يواصل رحلته صباحا
أنزل قتب الناقة وحمولتها وأطلقها لتشرب وترعى
ثم أوقد نارا و أضطجع بجانبها مستريحا أغمض عينيه و أرخى جفونه
وعندما وجد حلاوة النوم هب واقفا كأنه أسد
و جال ببصره يمنة ويسرة فلم يرى أحدا
فقد شعر بالأرض تهتز تحت قدميه اهتزاز عنيفا
وسمع أصوات وهمهمة لا يستطيع تفنيدها
فأطفاء النار و أمتشق سلاحه (آقيت) و احتمى خلف صخرة لم يطل ترقبه
فقد لمح قطيعا من الإبل يقترب من الواحة ثم يتجه صوب الماء
وشاهد تلك الإبل ترعى في هدؤ وسكينة
حينئذ زال روعه وشعر بطمأنينة وأمان
فأغمض عينه و أستسلم للنوم
اتسعت حدقتا عينيه عندما عاين تلك الابل على ضؤ النهار
لم يرى مثل جمالها ولامثل ضخامتها ولامثل لونها الاحمر الفاقع

 
 

فأندهش أشد الاندهاش وتعجب كل العجب
وزاد تعجبه إذ لم يرى أحدا من الرعيان مع تلك النياق
أنتظر إلى وقت الضحى
لعل وعسى أن يأتي بعض الرعاة كي يساومه على ناقة من تلك النوق
ولكنه لم يرى شخصا ولم يسمع حسا أيقن كل اليقين أن تلك النوق ليست إنسية
وعزم على نهب وسلب ما يتيسر له منها
فجهز ناقته (العضوض) ثم أخرج حبلا طويلا كان معه
وعمد إلى أعظم تلك النياق خلقة فأوثقها إلى ناقته ثم مضى
فتحرك ذلك القطيع مقتديا ﮨـ (العضوض) ه
قبل غروب الشمس بقليل كان على أعتاب قرية (جوفي)ه
أحس بكثير من الراحة و الأنس إذ لم يواجهه أحد ولم يعترض طريقه معترض
إستغرب أهل (جوفي) من حجم تلك الإبل الكبير و من جمالها البديع
فسألوه عن مصدرها, أجابهم بأنها مجلوبة من الحبشة
فأقتنعوا قضى وقطيعه تلك الليلة في (جوفي) ه
فمن الخطورة بمكان المغامرة بسوقها ليلا وهي منهوبة
و أيضا ليست إنسية
لم تكد الشمس تشرق حتى توجه لتفقد القطيع
فوجده كما تركه ليلا لم تنقص منه ناقة واحدة
ففرح بذلك
غادر القرية صباحا بعد أن ودع أهلها
كان القلق ما يزال ملازما له
وإن خفت حدته فكان يلتفت بين حين و آخر إلى خلفه
فلا يرى شيئا
و على حين غرة إلتفت إلى خلفه فشاهد غبارا كثيفا يسد الأفق
وكأن جيشا جرارا يتبعه
لم يضيع الوقت في التأمل والتأكد بل أيقن أن أولئك هم الجان ملاك الإبل
قدموا لإسترداد إبلهم
ولكنه رجل صنديد جري وعنيد
ولم تبقى أمامه سوى مراحل قليلة يطويها كي يصل إلى (مرباط) فقبل التحدى
وعزم على نهب الإبل وسلبها
نخس بطن ناقته (العضوض) فأنطلقت تسابق الرياح
حينها تحرك القطيع لحركة (العضوض)ه
و أخذت الإبل تتبعها
إستمرت المطاردة لساعات طويلة
وكان بعض المطاردين (جني) قد إقترب كثيرا من صاحبنا
فأخذ ال (جني) يطعنه بحربة في ظهره ويصيبه بجروح طفيفة
ولكنه لا يستطيع التوقف والدفاع عن نفسه فأحتمل الجراح
وبعد فترة طويلة من المطاردة وبعد أن وصل إلى ضواحي (مرباط)ه
وإلى منطقة (أوف ضظوتي) شرقا
لم يتمكن الجن من القبض عليه ولم يتمكن هو من التخلص منهم
فهداه تفكيره إلى الإستعانة بالجن الساكنين في تلك الأنحاء
لأن المطاردين يعتبرون غرباء ودخلاء على المنطقة
فصاح بأعلى صوته: ــ (يذنونه إد فينيي , سنيد إذا كونه إد سي ري )ه
يعني (يا من هم أمامي , خلصوني ممن هم خلفي) ه
ولكنه لم يسمع إستجابة , ولم يرى نجدة
فلما كاد أن ييأس وبدأ القنوط يتسلل إلى قلبه
سمع أصواتا تتعالى من خلفه ولاحظ توقف المطاردين
وسمع الذي كان يطعنه يقول :ـ (يقوحك آذﭾ من شيرق)ه
يعني ربنا يحرمك كما حرمتنا من مالنا يا لص
لكنه تجاهل ما سمع و إبتعد باقصى سرعة
فلما نظر خلفه رأى معركة حامية الوطيس
وسمع قعقعة الأسلحة وصرخات المصابين و أنات الجرحى
 
 
فتملكه الشعور بالنخوة والحماسة و أراد أن يقاتل مع حماته
لكنه فضل النجاة بنفسه وبماله
إشتد القتال بين من أجاروه وبين مطارديه
الذين ولوا الادبار بعد أن فقدوا الكثير من أعز رجالهم و أنفس أموالهم
أما هو فلم يتوقف إلا في (مرباط) ه
فادخل الإبل في حوش واسع و أمر غلمانه بخدمتها
وعندما سأله الشيخ عن تلك الإبل لم يجد محيصا عن قول الحقيقة
لكنه تعرض للتكذيب والازدراء من بعض الحاسدين
وعندما مر ركب من أهل (سدح) بتلك المنطقة بعد عدة أسابع
شاهد قبورا عظيمة لم تكن موجودة من قبل
وليست من قبور الإنس
فلما سألوا عنها لم يحرأحد جوابا القبور
لا زالت حتى هذه اللحظة
تشاهدها بجانب الطريق العام بين (سدح) و(مرباط)ه
 
 
تــــــــــــــم